نحل لبنان

بداية لا يمكننا حصر والنحل واختزاله في نحل العسل “أبيس ميليفيرا” فحسب، فذلك يشبه تحويل مرج زهور إلى ملعب كرة أخضر ليس إلا. في الحقيقة تحتوي عائلة النحل تنوعًا كبيرًا، حيث تم تسجيل 20,000 نوع حول العالم و574 نوعًا في لبنان. وتنتمي النحل إلى رتبة غشائيات الأجنحة (الهمانوبتيرا، وهي الحشرات ذات زوجين من الأجنحة)، ووالتي تتميز باعتمادها المطلق على النباتات في تغذيتها.

لكن معظم النحل لا يخزن العسل كما تفعله نحل العسل (التي لا تتعدى 8 أنواع فقط في العالم ونوع واحد في لبنان)، حيث لا تحافظ على نشاطها خلال فصل الشتاء. تتنوع أحجام النحل، بدءًا من حجم البرغش (البعوض) لبعض الأندرينيا إلى أحجام ضخمة عند الطنانة والنحل النّجّارة (كسيلوكوبا). والنحل متنوعة أيضًا في أنماط حياتها، حيث يعيش معظمها بصفة فردية، على الرغم من أن بعض أنواع النحل اجتماعية وتعيش في مستعمرات (مثل الطنان أو نحل العسل). يعشش بعضها في الرمال (الأندرينيدي)، وآخرى في الأخشاب (كسيلوكوبا) أو باستخدام الطين (كولكتيدي).

وللأسف، بسبب المد العمراني الجائر على لأراضي واستخدام المبيدات وتغير المناخ، هناك هبوط في أعداد النحل وتنوعها. ومع ذلك، يعتبر النحل، على تنوعها، ملقحة أساسية (بنقلها حبوب اللقاح من زهرة لأخرى) ومساعدًا لا غنى عنه للزراعة. لذا، يتطلب الأمر اهتمامًا خاصًا وإجراءات وقائيةوتدابير احترازية وتدابير احترازية. لا يمكننا اعتبار تربيتنا لنحل العسل هو وسيلة لإنقاذ وحماية النحل البري فإنشاء خلايا للنحل بهدف إنقاذ هذا الملقح يشبه محاولة إنقاذ الطيور المهاجرة من خلال بناء قُن دجاج على سطح البيت. أي أنه لا يوجد حلٌ آخر سوى حماية مواطنها الطبيعية.

استنادًا في المقام الأول إلى أعمال الباحثة اللبنانية ميرا بستاني، يهدف هذا المقال إلى تقديم نظرة عامة عن النحل البري الموجودة في لبنان.

نظرًا للنتائج الغذائية بسبب انخفاض أعداد النحل وحشرات ملقحة أخرى، فقد شهد اهتمام العلماء نحو غشائيات الأجنحة هذه انتعاشًا حديثًا. حيث تم التعرف على 289 من أصل 574 نوع نحل مسجل في لبنان منذ عام 2021. وتستمر الدكتورة ميرا بستاني في دراسة تنوع النحل البري في لبنان، حيث يُقدر تنوع النحل اللبناني الحقيقي بنحو 900 نوع. في جميع أنحاء العالم، تنتج فقط ستة أنواع من النحل العسل وتُدجن لهذا الغرض. في لبنان، يوجد فقط نحل العسل أبيس ميليفيرا، مع سلالته المحلية، والتي تُعرف باسم أبيس ميليفيرا سيرياكا، والتي تكيفت بشكل مثالي مع المناخ والنباتات المحلية. إذ كون استيراد سلالات أجنبية أقل عدوانية (مثل الإيطالي أبيس ميليفيرا لوجوستيكا) والأمراض المرتبطة بها ضعفًا وتهديدًا جديدًا لتربية النحل،و هنالك أيضًا تربية الطنان بومبوس تاراستريس للتلقيح في البساتين. ومرة ثانية، يوجد هنا نوع محلي متأقلمةٌ تمامًا مع الظروف المحلية من ساحل البحر إلى القرنة السوداء.

إن جميع أنواع النحل الأخرى برية، ولا تخزن العسل، وغالبًا ما تكون هذه الأنواع نحلًا فرديًا. وبالتالي، فإن السمة المشتركة بين النحل كونها تتغذى حصرًا على رحيق الزهور الحلو. بينما تتغذى العديد من الزراقط على رحيق الزهور، وتطعم يرقاتها اللحوم من مصادر متعددة كالحشرات الأخرى ويرقاتها. أما النحل فتتطعم يرقاتها حبوب اللقاح الغنية بالبروتين من الزهور نفسها. وبالتالي، يتكون طعامها بشكل حصري من النباتات التي تجمع منها ما حتاج، مما يجعلها ملقحة ممتازة. ولذلك، تُطلق على هذه الفصيلة اسم “أنتوفيلا” (حباب الزهور باللاتينية). بالإضافة إلى هذه السمة، هناك تنوع كبير في الأشكال والألوان والمواطن وأنماط الحياة ضمن فصيلة الأنتوفيلا. فيما يلي نظرة عامة على الفصائل الموجودة في لبنان.

نحل الجص (كوليتيدا)

 Colletidae

يوجد في لبنان 29 نوعًا من نحل الجص (كوليتيدا). نحل الجص نحل تعيش بشكل منفرد دون خلايا أو أعداد كبيرة، وقد أطلق عليها لقب “نحل الجص” بسبب طريقتها في تسوية جدران أعشاشها، التي تحفرها في التربة ثم تسوي الجدران باستخدام إفرازات فموية. بعضها تعرف بـ “ميريليجيد” (من الكلمة اليونانية “ميروس”، وتعني الفخذ) لأنها تخزن كرة حبوب اللقاح على فخذيها هنا، نقدم لكم” هيلايوس سايدنسيس” لعرض السمات العامة للحشرات والهمانوبتيرا. هذا الجنس ليس لديه سلة لحمل حبوب اللقاح. بدلاً من ذلك، فهي تبتلع حبوب اللقاح في محصولها قبل أن تتقيأه..

نحل التنقيب أو نحل الرمال (أندرينيدا)

Andrenidae

 يوجد في لبنان 86 نوعًا من الأندرينيدا. لقبها في الأنكليزية “نحل التنقيب” أو نحل الرمال في الفرنسية بسبب الأنفاق التي تحفرها في الرمال كأعشاش لها. وهي ثاني أكبر مجموعة من أجناس النحل. وأندرينا تعتبر من أكثر النحل شيوعًا. وقد تم اكتشاف النوع التالي مؤخرًا وسُمي “أندرينا سيدريكولا”، وهو مصطلح يعني “الساكن في حرش الأرز”.

نحل العرق (أليكتيدا)

Halictidae.

 الأليكتيدا، أو “نحل العرق” في الإنكليزية، عدد أنواعها في لبنان 96 نوعًا. تلعب دورًا هامًا كملقحة، خصوصًا بالنسبة للمحاصيل الزراعية مثل الذرة ودوار الشمس. من اللافت أن بعض الأنواع في هذه العائلة من النحل الذي يعيش منفردًا تحفر أعشاشها في مكان قريب من بعضها البعض، مما يشابه السكان في التجمعات. لكن تتعرف كل نحلة أم على عشها الخاص من خلال استخدام حاسة الشم، مما يشير إلى أن لدى كل نحلة رائحة فريدة. كما تتميز بقدرتها على التكاثر من خلال التولد البكري (العذري)، وهو ما يعني أنها يمكنها الإنجاب دون التلقيح. بينما تقوم عاملات نحل العسل أيضًا كذلك بالتكاثر من خلال التولد البكري في حالات موت الملكة، إلا أنها تنتج ذكور فقط (مما يؤدي إلى وجود “عش ذكوري”). ومن ناحية أخرى، تعتمد بعض أنواع نحل العرق بنيويًا على التكاثر من خلال التولد البكري كما تم اكتشافه من قبل العالم البارز في علم الحشرات جان-أنري فابر: “نحل هاليكتوس لديها جيلين في السنة: واحد في الربيع، ناتج عن أمهات لقحت في الخريف وعاشت طول فصل الشتاء، والآخر في الصيف، ناتج عن التكاثر من خلال إمكانيات الأم البيولوجية فقط. يولد فقط إناثًا من الزواج بين الجنسين، بينما يولد الذكور والإناث على حد سواء من خلال التكاثر من خلال التولد البكري.”

النحل الختمية (مليتيدا)

Melittidae

 المليتيدا، الملقب بالفرنسية “النحل الختمية”، توجد بشكل رئيسي في إفريقيا والمناطق المعتدلة في أوروبا. لديها نظام غذائي انتقائي، يعني أنها تزور مجموعة محددة من الزهور فقط. فهي ملقحة متخصصة، فبقاؤهاونجاتها حساسة وهشة لأنها تعتمد على نجاة أنواع معينة من الزهور. في لبنان، هناك نوع واحد فقط يعرف بـ”ذو ساقين مشعرتين”.

نحل قاطع الورق (ميغاكيليدا)

Megachilidae

عائلة الميغاكيليدا، أو النحل قاطع الورق، وقد وثّق وجود 134 نوعًا منها في لبنان. وهي نحل وحيدة مميزة بفكها القوي الذي يمكّنها من قطع الورق قطعًا تمكنها من بناء أنفاق في أعشاشها، حيث تضع مجموعة من كرات حبوب اللقاح مغطاة ببيضة. وتعرف أيضا بأنها تحمل حبوب اللقاح على بطنها.

وبين النحل قاطعة الورق، هناك جنس يُعرف بـالأوسميا وهي نحل بناء تستخدام الطين لإغلاق أعشاشها التي تقوم ببنائها في التجاويف الصخرية أو النباتات المجوفة. ولأنها ملقحة ممتازة، يتم الناس بناء أعشاش الحشرات في الحدائق لجذبها. وجدير بالذك أن هناك 40 نوعًا من نحل الأوسميا في لبنان.

Apidea – أبيدئا

الأبيدئا مجموعة النحل الأكثر تنوعًا والأكثر شهرة، لأنها تحتوي على أنواع النحل الاجتماعية الرئيسية، إذ تشمل نحل العسل (أبيس ميليفيرا )و النحل الطنان (بومبيني)

النحل النجار (كسيلوكبينا)

Xylocopinae

تضم مجموعة النحل النجار 28 نوعًا من هذه النحل في لبنان. وهذا الجنس من النحل يحفر أعشاشه في الحطب.

نحل الوقواق (نومادينا)

Nomadinae

وجد في لبنان 16 نوعًا من هذا النحل الطفيلي، المعروف أيضًا باسم نحل الوقواق. وهذا الجنس من النحل يضع بيضه في أعشاش النحل الآخر، حيث تقتل اليرقة، المجهزة بفك سفلي قوي، اليرقة المضيفة لها، وتتغذى على كرة حبوب اللقاح التي التي تركتها الأم المضيفة. ولكون نحل الوقواق البالغة بدوية ولا تحتاج إلى جمع حبوب اللقاح، فإنها غالبًا ما تفتقر إلى الشعر وتشبه في مظهرها الزراقيت.

نحل القرون الطويلة (أوسيرا)

Eucera

وهو نحل ذوات قرون الإستشعار الطويلة، ويوجد منها 34 نوعًا في لبنان. وقرون الاستشعار الطويلة سمة مميزة لذكرها الذي هو مشهور بكونه ضحية للعبة احتيال جنسي تلعبها زهرة الأوركيد، التي تشبه شكلها ورائحتها أنثى النحل ذات القرون الطويلة. بما أن الذكر يظهر قبل الإناث، يحاول التزاوج مع هذه الزهور المزيفة، مجربين حظهم من زهرة إلى أخرى، مما يسهم في تسهيل عملية تلقيح هذه الزهور.

نحل الطنان (بومبيني)

Bombini

نحل الطنان نحل اجتماعي، وهذا يعني أنها تعيش في مستعمرات. تخرج الملكة بعد فترة السبات الشتوي في الربيع وتنشئ تجمعًا جديدًا. يمتاز نحل الطنان بكونه ملقحا عالميًا، حيث يزور مختلف أنواع الزهور برغم هيئته القوية (وغالبًا ما يُلاحظ وجودها على نباتات الريحان والزعتر). يوجد أربعة أنواع من نحل الطنان في لبنان:

Bombus terrestris, B. niveatus vorticosus, B. argillaceus, B. melanurus

في الختام، إن دراسة نحل لبنان جهد مستمر، والعديد من الأنواع لا تزال في انتظار التوثيق والدرس. والنحل، كمثل الحشرات الأخرى جميعها، يعاني من نقص مزمن في الدراسة في لبنان. ودراسة النحل المحلية في أرض الواقع أمر أساسي لفهم توزيعها وتفضيلاتها الغذائية وعلاقتها البيئية.

فهرست

“The bees of Lebanon (Hymenoptera: Apoidea: Anthophila)” (2021), by Mira Boustani, Pierre Rasmont, Holger H. Dathe, Guillaume Ghisbain, Max Kasparek, Denis Michez, Andreas Müller, Alain Pauly, Stefan Risch, Jakub Straka, Michael Terzo, Xavier Van Achter, Thomas J. Wood & Nabil Nemer, Zootaxa.

“Distribution and flower visitation records of bumblebees in Lebanon (Hymenoptera: Apidae)” (2020), by Mira Boustani , Wael Yammine , Nabil Nemer , Efat Abou Fakhr Hammad, Denis Michez & Pierre Rasmont , Annales de la Société entomologique de France.

“A revision of the Andrena (Hymenoptera: Andrenidae) of Lebanon with the description of six new species” (2020), by Thomas J. Wood , Mira Boustani & Pierre Rasmont, Annales de la Société entomologique de France.

Introductory Biogeography to Bees of the Eastern Mediterranean and Near East (2010), by Andrew Grace, Bexhill Museum. Sussex.